فصل: وَصِيَّةُ أَبِيْ حَازِمٍ الأَعْرَجِ لِلزُّهْرِي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.وَصِيَّةُ أَبِيْ حَازِمٍ الأَعْرَجِ لِلزُّهْرِي:

عافانَا الله وَإِيَّاكَ أبا بكر من الفتن، ورحمك من النار، فقَدْ أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك بها أن يرحمك مَنْهَا، أصبحت شيخًا كبيرًا قَدْ أثقلتك نعم الله عَلَيْكَ، بما أصح من بدنك، وأطال من عمرك، وعلمت حجج الله تَعَالَى مِمَّا حَمَلَكَ من كتابه، وفقهك فيه من دينه، وفهمك من سُنَّة نبيك صلى الله عليه وسلم، فرمى بك فِي كُلّ نعمة أنعمها عَلَيْكَ وكل حجة يحتج بها عَلَيْكَ، وقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}.
انظر.. أي رجل تَكُون إِذَا وقفت بين يدي الله عَزَّ وَجَلَّ فسألك عَنْ نعمه عَلَيْكَ كيف رعيتها، وعن حججه عَلَيْكَ كيف قضيتها، ولا تحسبن الله راضيًا منك بالتغرير، ولا منك التقصير، هيهات لَيْسَ كَذَلِكَ.
أخذ على الْعُلَمَاء فِي كتابه إذ قال: {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ}. الآية.
إنك تَقُول إِنَّكَ جدل، ماهر عَالِم، قَدْ جدلت النَّاس فجدلتهم، وخاصمتم فخصمتهم، إذلالاً منك بهمك، وإقتدارًا منك برأيك، فأين تذهب من قول الله عَزَّ وَجَلَّ: {هَا أَنتُمْ هَؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}. الآية اعْلَمْ أن أدنى ما ارتكبت، وأعظم ما احتقيت، أن آنست الظَالِم وسهلت لَهُ طَرِيق الغي بدنوك حين أدنيت، وأجابتك حين دعيت، فما أخلقك أن تبوء بإثمك غدا مَعَ الْجُمُعَة، وأن تسأل عما أردت بإغضائك عَنْ ظلم مظلمة.
إنك أخذت ما لَيْسَ لمن أعطاك، ودنوت ممن لا يرد على أحد حقًا، ولا ترك باطلاً حين أدناك، وأجبت من أراد التدلَيْسَ بدعائه إياك حين دعاك.
جعلوك قطبًا تدور باطلهم عَلَيْكَ، وجسرًا يعبرون بك إِلَى بلائهم، وسلمًا إِلَى ضلالتهم، وداعيًا إِلَى غيهم، وسالكًا سبيلهم، يدخلون بك الشك على الْعُلَمَاء، ويقتادون بك قُلُوب الجهال إليهم، فلم تبلغ أخص وزرائهم، ولا أقوى أعوانهم لَهُمْ إلا دون ما بلغت من إصلاح فسادهم، واختلاف الخاصة والعامة إليهم، فما أيسر ما عمروا لَكَ فِي جنب ما خرجوا عَلَيْكَ، وما أقل ما أعطوك فِي كثير ما أخذوا منك، فَانْظُرْ لنفسك فإنه لا ينظر لها غيرك، وحاسبها حساب رجل مسؤول.
وانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيرًا وكبيرًا، وانظر كيف إعظامك أمر من جعلك بدينه فِي النَّاس بخيلاً، وكيف صيانتك لكسوة من جعلك لكسوته ستيرَا، وكيف قربك وبعدك ممن أمرك أن تَكُون منه قريبَا.
ما لَكَ لا تنتبه من نفسك، وتستقِيْل من عثرتك، فَتَقُول: وَاللهِ ما قمت لله مقامًا واحدًا أحيي لَهُ فيه دينًا، ولا أميت لَهُ فيه باطلاً، إنما شكرك لمن استحَمَلَكَ كتابه، واستودعك علمه.
ما يؤمنك أن تَكُون من الَّذِينَ قَالَ الله تَعَالَى فيهم: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَى...} الآية.
إنك لست فِي دار مقام، قَدْ أذنت بالرحيل، ما بقاء المرء بعد أقرانه، طُوبَى لمن كَانَ مَعَ الدُّنْيَا على وجل، ويا بؤس من يموت وتبقى ذنوبه من بعده.
إنك لم تؤمر بالنظر لوارثك على نفسك، ولَيْسَ أحد أهلاً أن تردفه على ظهرك. ذهبت اللذة وبقيت التعبة، ما أشقى من سعد بكسبه غيره، إحذر فقَدْ أتيت، وتخلصت فقَدْ أدهيت إِنَّكَ تعامل من لا يجهل، والَّذِي يحفظ عَلَيْكَ لا يغفل.
تجهز فقَدْ دنا منك سفر، وداو دينك فقَدْ دخله سقم شديد، ولا تحسبن أني أردت توبيخك أَوْ تعييرك وتعنيفك، ولكني أردت أن تبنش ما فات من رأيك، وترد ما عزب عَنْكَ من حلمك، وذكرت قوله تَعَالَى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}.
أغفلت ذكر من مضى من أسلافك وأقرانك، وبقيت بعدهم كقرن أعضب، فَانْظُرْ هل ابتلوا بمثل ما ابتليت به، أَوْ دخلوا فِي مثل ما دخلت فيه، هل تراه إِدَّخَرَ لَكَ خيرًا منعوه أَوْ علمك عِلْمًا جهلوه، بل جهلت ما ابتليت به من حالك فِي صدور العامة، وكلفهم بك أن صاروا يقتدون برأيك ويعملون بأمرك، إن حللت أحلوا، وإن حرمت حرموا، ولَيْسَ ذَلِكَ عندك، ولكن إكبابهم عَلَيْكَ، ورغبتهم فيما فِي يديك، ذهاب عملهم، وغلبة الجهل عَلَيْكَ وعَلَيْهمْ، وطلب حب الرياسة وطلب الدُّنْيَا منك وَمِنْهُمْ.
أما تَرَى ما أَنْتَ فيه من الجهل والعزة، وما النَّاس فيه من البَلاء والفتنة، وابتليتهم بالشغل عَنْ مكاسبهم وفتنتهم، بما رأوا من اثر العلم عَلَيْكَ، وتاقت أنفسهم إِلَى أن يدركوا بالعلم ما أدركت، ويبلغوا منه مثل الَّذِي بلغت، فوقعوا بك فِي بحر لا يدرك قعره، وَفِي بَلاء لا يقدر قدره، فالله لَنَا ولك ولهم المستعان.
واعْلَمْ أن الجاه جاهان: جاه يجريه الله تَعَالَى على يدي أوليائه لآوليائه، الخامل ذكرهم، الخافية شخوصهم، ولَقَدْ جَاءَ نعتهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب الأخفياء الأتقياء الأبرياء الَّذِينَ إِذَا غابوا لم يفتقدوا، وَإِذَا شهدوا لم يعرفوا، قُلُوبهمْ مصابيح الهدى، يخرجون من كُلّ فتنة سوداء مظلمة».
فهؤلاء أَوْلِيَاء الله الَّذِينَ قَالَ تَعَالَى فيهم: {أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
وجاه يجريه الله تَعَالَى على يدي أعدائه لأوليائه، وَمِقَةٌ يقذفها الله فِي قُلُوبهمْ لَهُمْ، فيعظمهم النَّاس بتعَظِيم أولئك لَهُمْ ويرغب النَّاس فيما فِي أيديهم لرغبة أولئك فيه إليهم: {أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ}.
وما أخوفني أن تَكُون ممن ينظر لمن عاش مستورًا عَلَيْهِ فِي دينه، مقتورًا عَلَيْهِ فِي رزقه، معزولة عَنْهُ البلايا، مصروفة عَنْهُ الفتن فِي عنفوان شبابه وطهور جلده، وكمال شهوته.
فعني بذَلِكَ دهره، حَتَّى إِذَا كبر سنه، ورق عظمه، وضعفت قوته، وانقطعت شهوته ولذته، فتحت عَلَيْهِ الدُّنْيَا شر فتوح فلزمته تبعتها وعلقته فتنتها، وأعشت عينيه زهرتها، وصفت لغيره منفعتها.
فسبحان الله ما أبين هَذَا الغبن، وأخسر هَذَا الأَمْر، فهلا إِذَا عرضت لَكَ فتنتها ذكرت أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي كتابه إِلَى سعد.. حين خاف عَلَيْهِ مثل الَّذِي وقعت فيه عِنْدَمَا فتح الله على سعد.
أما بعد فأعرض عَنْ زهرة ما أَنْتَ فيه حَتَّى تلقى الماضين الَّذِينَ دفنوا فِي أسمالهم، لاصقة بطونهم بظهورهم، لَيْسَ بينهم وبين الله حجاب، لم تفتنهم الدُّنْيَا ولم يفتنوا بها، رغبوا فطلبوا فما لبثوا أن لحقوا.
فإذا كَانَتْ الدُّنْيَا يبلغ من مثلك هَذَا فِي كبر سنك، ورسوخ علمك، وحضور أجلك، فمن يلوم الحدث فِي سنه، والجاهل فِي علمه، والمأفون فِي رأيه المدخول فِي عقله إنَا لله وإنَا إليه راجعون على من المعول، وعَنْدَ من المستعتب.
نحتسب عَنْدَ الله مصيبتنا.. وما نرى منك، ونحمد الله الَّذِي عافانَا مِمَّا ابتلاك به. والسَّلام عَلَيْكَ ورحمة الله وبركاته..
يَمْشُونَ نَحْوَ بُيُوتِ اللهِ إِذَا سَمِعُوا ** اللهُ أَكْبَرُ فِي شَوْقٍ وَفِي جَذَلِ

أَرْوَاحُهُمْ خَشَعَتْ للهِ فِي أَدَبِ ** قُلُوبُهُمْ مِنْ جَلالِ اللهِ فِي وَجَلِ

نَجْوَاهُمُ رَبَّنَا جِئْنَاكَ طَائِعَةً ** نُفُوسَنَا وَعِصْيَانَا خَادِعَ الأَمَلِ

إِذَا سَجَى اللَّيْلُ قَامُوهُ وَأَعْيُنُهُمْ ** مِنْ خَشْيَةِ اللهِ مِثْلَ الْجَائِدِ الْهَطَلِ

هُمُ الرِّجَال فَلا يُلْهِيهِمْ لَعِبٌ ** عَن الصَّلاةِ وَلا أَكْذُوبَةُ الْكَسَل

آخر:
لا فِي النَّهَارَ وَلا فِي اللَّيْلِ لِي فَرَحٌ ** فَمَا أُبَالِى أَطَالَ اللَّيْلُ أَمْ قَصُرَا

لأَنَّنِي طُولَ لَيْلِى هَائِمٌ دَنِفٌ ** وَبِالنَّهَارَ أُقَاسِي الْهَمَّ وَالْفِكَرَا

آخر:
لَعَمْرِي لَقَدْ نُودِيتَ لَوْ كُنْتَ تَسْمَعُ ** أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْمَوْتَ مَا لَيْسَ يَدْفَعُ

أَلَمْ تَرَ أَنَّ النَّاسَ فِي غَفَلاتِهِمْ ** وَأَنَّ الْمَنَايَا بَيْنَهُمْ تَتَقَعْقَعُ

أَلَمْ تَرَ لَذَّاتِ الْجَدِيدِ إِلَى الْبَلَى ** أَلَمْ تَرَ أَسْبَابَ الأُمُورِ تَقَطَّعُ

أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْمَوْتَ يَهْتَزُّ سَيْفُهُ ** وَأَنَّ رِمَاحَ الْمَوْتِ نَحْوَكَ شُرَّعُ

أَلَمْ تَرَ أَنَّ الوَقْتَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ ** لَهُ عَارِضٌ فِيهِ الْمَنِيَّةُ تَلْمَعُ

أَيَا بَانِي الدُّنْيَا لِغَيْرِكَ تَبْتَنِي ** وَيَا جَامِعَ الدُّنْيَا لِغَيْرِكَ تَجْمَعُ

وَاللهُ أَعْلَمُ وصلى الله على نبينا مُحَمَّد وعلى آله وصحبه وسلم.
وقَالَ رجل لمُحَمَّد بن سيرين: أوصني. فقَالَ: لا تحسد أَحَدًا فإنه إن كَانَ من أَهْل النار فَكَيْفَ تحسده على دنيا فانية مصيره بعدها إلى النار، وإن كَانَ من أَهْل الْجَنَّة فاتبعه فِي إعمالها واغبطه عَلَيْهَا فَإِنَّ ذَلِكَ أولى من حسدك لَهُ على الدُّنْيَا.
وقَالَ رجل للحسن البصري: أوصني. فقَالَ: لا تذنب فتلقى نفسك فِي النار من إِنَّكَ لو رَأَيْت أَحَدًا يلقى برغوثًا فِي النار لا نكرت عَلَيْهِ، وأَنْتَ تلقى نفسك فِي النار كُلّ يوم مرات، ولا تنكر عَلَيْهَا. ومن ذَلِكَ حسن أدبهم مَعَ الصغير والكبير ومَعَ الْبَعِيد فضلاً عَنْ القريب.
والأصل فِي الأَدَب شهود النقص فِي النفس والكمال فِي الغير عكس من كَانَ قليل أدب متكبر، وكَانَ ميمون بن مهران إِذَا دُعِي إِلَى وليمة جلس مَعَ الصبيان والمساكين من الرِّجَال وترك الأغنياء، وكَانَ بكر بن عَبْد اللهِ المزني يَقُولُ: إِذَا رَأَيْت من هُوَ أكبر منك فعظّمْه وقل إنه سبقني إِلَى الإِسْلام والْعَمَل الصالح وَإِذَا رَأَيْت من هُوَ أصغر منك فعظمه وقل فِي نفسك إني سبقته إِلَى الذُّنُوب، وَإِذَا أكرمك النَّاس فقل هَذَا من فضل الله علي لا أستحقه وَإِذَا أهانوك فقل هَذَا بذنب أحدثته.
ومن أخلاقهم انخلاع قُلُوبهمْ من خوف الله من ذَلِكَ ما ذكر أنه لما حضرت الوفاة سلمان الفارسي بكى، وقَالَ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَدْ عهد إلينا وقَالَ: «ليكن بلغة أحدكم من الدُّنْيَا كزَادَ الراكب» وها أَنَا قَدْ جمعت هَذِهِ الأمتعة وأشار إليها وهي أجانة وحفنة ومطهرة فَلَمَّا مَاتَ قوموها بخمسة عشر درهمًا.
مَا ضَرَّ مَنْ كَانَتْ الْفِرْدَوْسُ مَسْكَنَهُ ** مَاذَا تَحَمَّلَ مِنْ بُؤْسٍ وَإِقْتَارِ

تَرَاهُ يَمْشِي كَئِيبًا خَائِفًا وَجِلاً ** إلى الْمَسَاجِدِ يَسْعَى بَيْنَ أَطْمَار

ومِمَّا ينسب إِلَى الشَّافِعِي:
يَا لَهْفَ قَلْبِي عَلَى شَيْئَيْنِ لَوْ جُمِعَا ** عِنْدِي لَكُنْتَ إِذَا مِنْ أَسْعَدِ الْبَشَرِ

كَفَافِ عَيْشٍ يَقِينِي شَرَّ مَسْأَلَةٍ ** وَخِدْمَةِ الْعِلْمِ حَتَّى يَنْتَهِي عُمُرِي

آخر:
قَطَعَ اللَّيَالِي مَعَ الأَيَّامِ فِي خَلِق ** وَالنَّوْمُ تَحْتَ رِوَاقِ الْهَمِّ وَالْقَلَقِ

أَحْرَى وَأَعْذَرُ لِي مِنْ أَنْ يُقَالَ غَدًا ** إِنِّي التَمَسْتُ الْغِنَى مِنْ كَفِّ مُخْتَلِقِ

قَالُوا قَنِعْتَ بِذَا قُلْتُ الْقُنُوعُ غِنَى ** لَيْسَ الْغِنَى كَثْرَةُ الأَمْوَالِ وَالْوَرَق

آخر:
لا تَضْرَعَنَّ لِمَخْلِوقٍ عَلَى طَمَعٍ ** فَإِنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ مِنْكَ فِي الدِّينِ

وَاسْتَرْزِقْ اللهَ مِمَّا فِي خَزَائِنِهِ ** فَإِنَّمَا الأَمْرُ بَيْنَ الْكَافِ وَالنُّونِ

آخر:
كَمْ فَاقَةٍ مَسْتُورَةٍ بِمُرُوءَةٍ ** وَضَرورَةٍ قَدْ غُطِّيَتْ بِتَجَمُّلِ

وَمنِ ابْتِسَامٍ تَحْتَهُ قَلْبٌ شَجِي ** قَدْ خَامَرَتْهُ لَوْعَةٌ مَا تَنْجَلِي

آخر:
إِنَّ الْكَرِيمَ إِذَا نَالَتْهُ مَخْمَصَةٌ ** أَبْدَى إِلَى النَّاسِ رَيًّا وَهُوَ ظَمْآنُ

يَطْوِي الضُّلُوعَ عَلَى مِثْلِ اللَّظَى حُرَقًا ** وَالْوَجْهُ طلق بِهِ وَالْبشَّر رَيّانُ

آخر:
نَهَارٌ مُشْرِقٌ وَظَلامُ لَيْلٍ ** أَلَحَّا بِالْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ

هُمَا هَدَمَا دَعَائِمَ عُمْرِ نُوحٍ ** وَلُقْمَانٍ وَشَدَّادٍ وَعَادِ

فَيَا بَكْرَ بن حَمَّادٍ تَعَجَّبْ ** لِقَوْمٍ سَافَرُوا مِنْ غَيْرِ زَادِ

تَبِيتُ عَلَى فِرَاِشَك مُطْمَئِنًا ** كَأَنَّكَ قَدْ أَمِنْتَ مِنَ الْمَعَادِ

فَيَا سُبْحَانَ مَنْ أَرْسَى الرَّوَاسِي ** وَأَوْفَدَهَا عَلَى السَّبّعُ الشِّدَادِ

آخر:
مَنْ رَاقَبَ الْمَوْتَ لَمْ تَكْثُرْ أَمَانِيهِ ** وَلَمْ يَكُنْ طَالِبًا مَا لَيْسَ يَعْنِيهِ

آخر:
رُبَّ بَاتَ يُمَنِّي نَفْسَهُ ** حَالَ مِنْ دُونِ مُنَاهُ أَجْلُهْ

آخر:
إِذَا أَمْسَيْتَ فَابْتَدِرِ الصَّبَاحَا ** وَلا تُمْهِلْهُ تَنْتَظِرِ الصِّيَاحَا

وَتُبْ مِمَّا جَنَيْتَ فَكَمْ أُنَاسٍ ** قَضَوْا نَحْبًا وَقَدْ نَامُوا صِحَاحَا

آخر:
وَلا تُرْجِ فِعْلَ الصَّالِحَاتِ إِلَى غَدٍ ** لَعَلَّ غَدًا يَأْتِي وَأَنْتَ فَقِيدُ

احتضر بَعْض العباد فقَالَ: ما تأسفي على دار الهموم والأحزان والانكاد والخطايا والذُّنُوب، وإنما تأسفي على ليلة نمتها ويوم أفطرته وساعة غفلت فيها عَنْ ذكر الله، وقَالَ إبراهيم بن أدهم: فرغ قلبك من ذكر الدُّنْيَا يفرغ عَلَيْكَ الرضاء إفراغًا. خطب الحجاج فقَالَ: إن الله أمرنا نطلب الآخِرَة وكفانَا مؤنة الدُّنْيَا فليته كفانَا مؤونة الآخِرَة وأمرنا بطلب الدُّنْيَا. فقَالَ الحسن البصري: ضالة المُؤْمِن عَنْدَ فاسق فليأخذها.
وقَالَ أَنَس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إن الله جعل الدُّنْيَا دار بلوى والآخِرَة دار عقبى، فجعل بلوى الدُّنْيَا لثواب الآخِرَة سببًا، وثواب الآخِرَة من بلوى الدُّنْيَا عوضًا فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي. وقَالَ بَعْضهمْ: إن امرأ ذهبت ساعة من عمره فِي غير ما خلق لَهُ لحري أن يطول عَلَيْهَا حزنه.
وقَالَ آخر: ما ابتلى أحد بشَيْء أشد من الغَفْلَة والقَسْوَة إنما كره المُؤْمِن الموت لانقطاع الأَعْمَال الصَّالِحَة وخوف الذُّنُوب، ومن شغله طلب الدُّنْيَا عَنْ الآخِرَة ذل إما فِي الدُّنْيَا وإما فِي الآخِرَة وإما بهما جميعًا.
من نظر فِي سيرة السَّلَف عرف تقصيره وتخلفه عَنْ درجات الكمال، تعرف نفسك فِي ثلاثة مواضع: إِذَا عملت فَانْظُرْ نظر الله إليك وَإِذَا تكلمت فاذكر سمَعَ الله إليك وَإِذَا سكت فاذكر علم الله فيك، تهاون بالدُّنْيَا حَتَّى لا يعظم بعينك أهلها ومن يملكها.
قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء: كَانَ الرجل فِي أَهْل العلم يزداد بعلمه بغضا للدنيا وتركًا لها، والْيَوْم يزداد الرجل بعلمه حبًا للدنيا وطلبًا لها وكَانَ الرجل ينفق ماله على علمه والْيَوْم يكسب الرجل بعلمه مالً وكَانَ يرى على طالب العلم زيادة فِي باطنه وظاهره والْيَوْم يرى على كثير من أَهْل العلم فساد فِي الظاهر والباطن.
يَا عَامِرَ الدُّنْيَا عَلَى شَيْبَتِهْ ** فِيكَ أَعَاجِيبُ لِمَنُ يَعْجَبُ

مَا عُذْرُ مَنْ يَعْمُر بُنْيَانَهُ ** وَعُمْرُهُ مُسْتَهْدَمٌ يَخْرَبُ

آخر:
عَجِبْتُ لِتَغْرِيسِي نَوَى النَّخْلِ بَعْدَمَا ** طَلَعْتَ عَلَى السِّتِّينَ أَوْ كِدْتُ أَفْعَلُ

وَأَدْرَكْتُ مِلأَ الأَرْضِ نَاسًا فَأَصْبَحُوا ** كَأَهْلِ دِيَارٍ أَدْلَجُوا فَتَحَمَّلُوا

وَمَا النَّاسُ إِلا رُفْقَةٌ قَدْ تَحَمَّلَتْ ** وَأُخْرَى تُقَضَّى حَاجَهَا ثُمَّ تَرْحَلُ

ولما حضرت إبراهيم النخعى الوفاة بكى فقِيْل لَهُ فِي ذَلِكَ فقَالَ: إني أنتظر رسولاً يأتيني من ربي لا أدري هل يبشرني بالْجَنَّة أَوْ بالنار. ولما حضرت عمر بن عَبْد الْعَزِيز الوفاة، قَالَ: اللهم إني أذنبت فَإِنَّ غفرت لي فقَدْ مننت وإن عذبتني فقَدْ عدلت، وما ظلمت لكن أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ثُمَّ قضى نحبه.
وكَانَ يتمثل بهذه الأبيات:
تَرَاهُ مَكِينًا وَهُوَ لِلَّهْوِ مَاقِتٌ ** بِهِ عَنْ حَدِيثِ الْقَوْمِ مَا هُوَ شَاغِلُهْ

وَأَزْعَجَهُ عِلْمٌ عَنْ الْجَهْلِ كُلِّهِ ** وَمَا عَالِمٌ شَيْئًا كَمَنْ هُوَ جَاهِلُهْ

عَبُوسٌ عَنْ الْجُهَّالِ حِينَ يَرَاهُمُوا ** فَلَيْسَ لَهُ مِنْهُمْ خَدِينٌ يُهَازِ لَهْ

تَذَكَّرَ مَا يَلْقَى مِنْ الْعَيْشِ آجِلاً ** فَاشْغَلهُ عَنْ عَاجِلِ الْعَيْشِ آجِلُهْ

ولما حضرت عامر بن قيس الوفاة بكى وقَالَ: إني لم أبك جزعًا من الموت ولا حرصًا على الدُّنْيَا، ولكن على عدم قضاء وطري من طاعة ربي وقيام الليل فِي أيام الشتاء.
وكَانُوا يبكون إِذَا فاتتهم تكبيرة الإحرام مَعَ الجماعة، وكَانَ المحدث الثِّقَة بشر بن الحسن يقَالَ لَهُ الصفي لأنه كَانَ يلزم الصف الأول فِي مسجد البصرة خمسين سُنَّة.
مثله إبراهيم بن ميمون المروزي أحد الدعاة المحدثين الثقاة من أصحاب عطاء بن أبي رباح وكَانَتْ مهنته الصياغة وطرق الذهب والفضة قَالُوا: كَانَ فقيهًا فاضلاً من الأمارين بالمعروف. وقَالَ ابن معين: كَانَ إِذَا رفع المطرقة فسمَعَ النداء لم يردها.
وقِيْل لكثير بن عبيد الحمصى عَنْ سبب عدم سهوه فِي الصَّلاة وقَدْ أم أَهْل حمص ستين سُنَّة كاملة فقَالَ: ما دخلت من باب المسجد قط وَفِي نفسي غير الله.
وقَالَ سُلَيْمَانٌ بن حمزة المقدسى وَهُوَ من ذرية ابن قدامة صَاحِب كتاب المغنى: لم أصل الفريضة قط منفردًا إلا مرتين، وكأني لم أصلها قط مَعَ أنه قارب التسعين.
وذكر عَنْ الأعمش أنه قَالَ: لم تفتني صلاة الجماعة ما يقرب من أربعين سُنَّة إلا مرة واحدة حين ماتت والدته اشتغل بتجهيزها.
وذكر عن بَعْضهمْ أنه لم تفته تكبيرة الإحرام أربعين سُنَّة وكَانَ بَعْضهمْ يصيبه مرض إِذَا فاتته صلاة الجماعة.
نَحْنُ بالعكس ربما يصيبنا مرض أَوْ جنون إِذَا فاتنا شَيْء من حطام الدُّنْيَا والسبب الوحيد إِنَّ الدُّنْيَا ما تهمهم وأما الآخِرَة فهي نصب أعينهم فِي كُلّ ساعة يستعدون لها والدُّنْيَا جعلوها مطية الآخِرَة.
نسال الله الحي القيوم العلى العَظِيم القوى العزيز أن يوقظ قلوبنا من هَذِهِ الرقدة اللَّهُمَّ صلى على مُحَمَّد.
أَفَلَسْتَ تَدْرِي أَنَّ يَوْمَكَ قَدْ دَنَا ** أَوَ لَسْتَ تَدْرِي أَنَّ عُمْرَكَ يَنْفَدُ

فَعلامَ تَضْحَكُ وَالْمَنِيَّةُ قَدْ دَنَتْ ** وَعَلامَ تَرْقُدُ وَالثَّرى لَكَ مَرْقَدُ

آخر:
الْوَقْت سَاوَمَنِي عُمْرِي فَقُلْتُ لَهُ ** لا بِعْتُ عُمْرِي بِالدُّنْيَا وَمَا فِيهَا

ثُمَّ اشْتَرَاهُ تَفْرِيقًا بِلا ثَمَنِ ** ثَبِّتْ يَدَا صَفقَةٍ قَدْ خَابَ شَارِيهَا

آخر:
وَمَا فُرْشُهُمْ إِلا أَيَامِنَ أُزْرِهِمْ ** وَمَا وُسْدُهُمْ إِلا مِلاءٌ وأَذْرُعُ

وَمَا لَيْلُهُم فِيهِنَّ إِلا تَخَوُّفٌ ** وَمَا نَوْمُهُمْ إِلا عِشَاشٌ مُرَوَّعُ

وألوانهم صفر كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ ** عَلَيْهَا جِسَامًا مَا بِهِ الْوَرْسُ مُشبْعُ

نَوَاحِلُ قَدْ أَرْزَى بِهَا الْجُهْدُ وَالسَّرَى ** إِلَى اللهِ فِي الظُّلْمَاءِ وَالنَّاسُ هُجَّعُ

وَيَبْكُونَ أَحْيَانًا كَأَنَّ عَجِيجَهُمْ ** إِذَا نَوَّمَ النَّاسُ الْحَنِينُ الْمُرَجَّعُ

وَمَجْلِسِ ذِكْرِ فِيهِمْ قَدْ شَهِدْتُهُ ** وَأَعْيُنُهُمْ مِنْ رَهْبَةِ اللهِ تَدْمَعُ

آخر:
وَمَا النَّاسُ إِلا رَاحِلُونَ وَبَيْنَهُمْ ** رِجَالٌ ثَوَتْ آثَارُهُمْ كَالْمَعَالِمِ

بِعِزَّةِ بَأَسٍ وَاطِّلاعِ بَصِيرَةٍ ** وَهَزَّةِ نَفْسٍ وَاتِّسَاعِ مَرَاحِمِ

حُظُوظُ كَمَالٍ أَظْهَرَتْ مِنْ عَجَائِبٍ ** بِمِرْآة شَخْصٍ مَا اخْتَفَى فِي الْعَوَالِمِ

وَمَا يَسْتَطِيعُ الْمَرْءُ يَخْتَصُّ نَفْسَهُ ** أَلا إِنَّمَا التَّخْصِيصُ قِسْمَةُ رَاحِمِ

وَقَدْ يَفْسِدُ الْحُرَّ الْكَرِيمَ جَلِيسُهُ ** وَتَضْعُفُ بِالإِيهَامِ قُوَّةُ حَازِمِ

وَلَيْسَ بِحَيٍّ سَالِكٍ فِي خَسَائِسٍ ** وَلَيْسَ بِمَيْتٍ هَالِكٌ فِي مَكَارِم

إِذَا لَجَّ لُؤْمٌ مِنْ سَفِيهٍ لِرَاشِدٍ ** تَوَهَّمَ رَشْدًا فِي سَفَاهَهِ لائِمِ

عَجِبْتُ مِنْ الإِنْسَانِ يَعْجَبُ وَهُوَ فِي ** نَقَائِصَ أَحْوَالٍ قَسِيمَ السَّوَائِمِ

يَرَى جَوْهَرَ النَّفْسِ الطَّلِيقَ فَيَزْدَهِي ** وَيَذْهَلُ عَنْ أَعْرَاضِ جِسْمٍ لَوَازِمِ

دُيُونُ اضْطِرَارٍ تَقْتَضِي كُلَّ سَاعَةٍ ** فَتُقْتَرَضُ الأَعْمَارُ بَيْنَ الْمَغَارِمِ

وَكُلُّ فَمَغْرُورٌ بِحُب حَيَاتِهُ ** وَيُغْرِيهِ بِالأَدْنَى خَفَاءُ الْخَوَاتِمِ

وَجَمَّاعُ مَالٍ لا انْتِفَاعَ لَهُ بِهِ ** كَمَا مَصَّ مَشْرُوطَا زُجَاجِ الْمَحَاجِمِ

وَمَنْ عَرَفَ الدُّنْيَا تَيَقَّنَ أَنَّهَا ** مَطِيَّةُ يَقْظَانٍ وَطَيْفَةُ حَالِمِ

فَلِلَّهِ سَاعٍ فِي مِنْاَهجِ طَاعَةٍ ** لإيلافِ عَدْلٍ أَوْ لإِتْلاِفِ ظَالِم

ولما حضرت عَبْد اللهِ بن المبارك الوفاة قَالَ لغلامه: اجعل رأسي على الأَرْض. فَبَكَى غلامه قَالَ: ما يبكيك؟ قَالَ: ذكرت ما كنت فيه من النَّعِيم وأَنْتَ هُوَ ذا تموت على هَذِهِ الحال فقَالَ: إني سألت ربي أن أموت على هَذِهِ الحال.
ثُمَّ قَالَ: لقني يَا أخي لا إله إلا الله إِذَا الحال تغير، ولا تعد علي إلا إن تكلمت بعد بكلام. ودخل الحسن البصري على رجل وَهُوَ فِي سياق الموت يجود بنفسه فقَالَ: إن أمرًا هَذَا آخره لحقيق أن يزهد فِي أوله. ولما حضرت أبا ذر الوفاة قَالَ: يَا موت اخنق وعجل فإني أحب لقاء الله.
ودخل أبو الدرداء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ على رجل محتضر يجود بنفسه فوجده يَقُولُ: الحمد لله. فقَالَ لَهُ: أصبت يَا أخي أن الله إِذَا قضى أمرًا أحب من عبده أن يحمده عَلَيْهِ. ودخل سفيان الثوري على ولد يجود بنفسه وأبواه يبكيان عنده فقَالَ لهما: لا تبكيا فَإِنَّي قادم على من هُوَ أرحم منكما. ولما حضرت أبا هريرة الوفاة بكى، قَالُوا: ما يبكيك؟ قَالَ: بعد السفر وقلة الزَّاد وضعف اليقين وخوف الوقوع من الصراط فِي النار. وروي أن معاذ بن جبل رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لما حضرته الوفاة قَالَ: أعوذ بِاللهِ من ليلة صباحها إِلَى النار.
لَعَمْرِي مَا الرَّزِيَّةُ فَقْد قَصَرٍ ** فَسِيحٍ مُنْيَةِ لِلسَّاكِتِينَا

وَلَكِنَّ الرَّزِيَّةَ فَقْدُ دِينٍ ** يَكُونُ بِفَقْدِهِ مِنْ كَافِرِينَا

ثُمَّ قَالَ: مرحبًا بالموت زائر مغيب وحبيب جَاءَ على فاقة، اللَّهُمَّ إني كنت أخافك وأنَا الْيَوْم أرجوك، اللهم إِنَّكَ تعلم أني لم أكن أحب الدُّنْيَا وطول البقاء فيها لكري الأنهار ولا لغرس الأشجار ولكن لطول ظمأ الهواجر وقيام ليل الشتاء ومكابدة السَّاعَات ومزاحمة الْعُلَمَاء بالركب عَنْدَ حلق الذكر.
ولما حضرت أبا الدرداء الوفاة وجعل يجود بنفسه وَيَقُولُ: ألا رجل يعمل لمثل مصرعي هَذَا ألا رجل يعمل لمثل يومي هَذَا ألا رجل يعمل لمثل ساعتي هَذِهِ. ثُمَّ قبض رَحِمَهُ اللهُ فيا أيها الغَافِل المهمل وكلنا كَذَلِكَ انتبه واغتنم أوقات الصحة والسلامة واملأ أوقاتك بالباقيات الصالحات قبل أن يفاجئك هاذم اللذات ويحال بينك وبين الأَعْمَال الصالحات وتندم ولات ساعة مندم.
تَغَنَّمْ سُكُونَ الْحَادِثَاتِ فَإِنَّهَا ** وَإِنْ سَكَنَتْ عَمَّا قَلِيلٌ تَحَرَّكُ

وَبَادِرْ بَأَيَّامِ السَّلامَةِ إِنَّهَا ** رِهَانٌ وَهَلْ لِلرَّهْنِ عِنْدَكَ مَتْرَكُ

آخر:
نَهَارُكُ بَطَّالٌ وَلَيْلُكَ نَائِمٌ ** وَعَيْشُكَ يَا مِسْكِينُ عَيْشُ الْبَهَائِم

آخر:
وَعَظَتْكَ أَجْدَاثٌ وَهُنَّ صُمُوتُ ** وَسُكَّانِهَا تَحْتَ التُّرَابِ خُفُوتُ

أَيَا جَامِعَ الدُّنْيَا لِغَيْرِ بَلاغِهِ ** لِمَنْ تَجْمَعِ الدُّنْيَا وَأَنْتَ تَمُوتُ

وروى المزني قَالَ: دخلت على الشَّافِعِي فِي مرضه الَّذِي مَاتَ فيه فَقُلْتُ لَهُ: كيف أصبحت؟ فقَالَ: أصبحت من الدُّنْيَا راحلاً وللإِخْوَان مفارقًا ولسوء عملي ملاقيًا ولكأس المنية شاربًا وعلى الله واردًا فلا أدري أروحي تصير إِلَى الْجَنَّة فأهنؤها أَوْ إِلَى النار فأعزيها ثُمَّ أنشأ يَقُولُ:
وَلَمَّا قَسَى قَلْبِي وَضَاقَتْ مَذَاهِبِي ** جَعَلْتُ الرَّجَا مِنِّي لِعَفْوِكَ سُلَّمَا

تَعَاظَمَنِي ذَنْبِي فَلَمَّا قَرَنْتُهُ ** بِعَفْوِكَ رَبِّي كَانَ عَفْوِكَ أَعْظََمَا

وَمَا زِلْتَ ذَا عَفْوٍ عَنْ الذَّنْبِ لَمْ يَزَل ** تَجُودُ وَتَعْفُو مِنَّةً وَتَكَرُّمَا

آخر:
أَجَاعَتْهُمْ الدُّنْيَا فَخَافُوا وَلَمْ يَزَلْ ** كَذَلِكَ ذُو التَّقْوَى عَنْ الْعَيْشِ مُلْجَمَا

أَخُو طَيءٍ دَاوُدُ مِنْهُمْ وَمِسْعَرٌ ** وَمِنْهُمْ وَهَيْبٌ وَالْعَرِيبُ بنُ أَدْهَمَا

وَفِي ابنِ سَعِيدٍ قُدْوَةَ الْبِرَّ وَالنُّهَى ** وَفِي الْوَارِثِ الْفَارُوقِ صِدْقًا مُقَدِّمَا

وَحَسْبُكَ مِنْهُمْ بِالْفُضَيْلِ مَعَ ابْنِهِ ** وَيُوسُفَ إِنْ لَمْ يَأْلُ أَنْ يَتَسَلَّمَا

أُولِئكَ أَصْحَابِي وَأَهْلُ مَوَدَّتِي ** فَصَلَّى عَلَيْهِمْ ذُو الْجَلالِ وَسَلَّمَا

فَمَا ضَرَّ ذَا التَّقْوَى نِصَالُ أَسِنَّةٍ ** وَمَا زَالَ ذُو التَّقْوَى أَعَزُّ وَأَكْرَمَا

وَمَا زَالَتِ التَّقْوَى تُرِيكَ عَلَى الْفَتَى ** إِذَا مَحَّض التَّقْوَى مِنْ الْعِزِّ مِيسَمَا

آخر:
عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ وَاقْنَعْ بِرِزْقِهِ ** فَخَيْرُ عِبَادِ اللهِ مَنْ هُوَ قَانِعُ

وَلا تُلْهِكَ الدُّنْيَا وَلا طَمَعٌ بِهَا ** فَقَدْ تُهْلِكَ الْمَغْرُورَ فِيهَا الْمَطَامِعُ

فَصَبْرًا عَلَى مَا نَابَ مِنْ تَبُعَاتِهَا ** فَمَا يَسْتَوِي عَبْدٌ صَبُورٌ وَجَازِعُ

أَعَاذِلُ مَا يُغْنِي الثَّرَاء عَنْ الْفَتَى ** إِذَا حَشْرَجَتْ فِي النَّفْسِ مِنْهُ الأَضَالِعُ

آخر:
امنع جفوننك طول الليل رقدتها ** وامنع حشاك لذيذ الري والشبعا

واستشعر البر والتقوى ودم بهما ** حتى تنال بهن الفوز والرفعا

آخر:
فَخُضْ غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَاسْمُ إِلَى الْعُلا ** لِتَحْظَى بِعِزِّ فِي حَيَاتِكَ دَائِمِ

فَلا خَيْرَ فِي مَنْ لا يَخَافُ إِلَهَهُ ** وَلا هِمَّةٍ تَصْبُو لِنَيْلِ الْمَآثِم

آخر:
وَرَبِّكَ لَوْ أَبْصَرْتَ يَوْمًا تَتَابَعَتْ ** عَزَائهُمْ حَتَّى لَقَدْ بَلَغُوا الْجُهْدَا

لأَبْصَرْتَ قَوْمًا جَانَبُوا النَّوْمَ وَارْتَدَوْا ** بَارْدِيَةِ التَّسْهَادِ وَاسْتَقْرَبُوا الْبُعْدَا

وَصَامُوا نَهَارًا دَائِمًا ثُمَّ أَفْطَرُوا ** عَلَى بُلَغ الأَقْوَاتِ وَاسْتَعْمَلُوا الْكَدَّا

أُولَئِكَ قَوْمٌ حَسَّنَ اللهُ فِعْلَهُمْ ** وَأَوْرَثَهُمْ مِنْ حُسْنِ فِعْلِهِمْ الْخُلْدَا

آخر:
صَفَوْا فَلا غُرْوَ أَنْ تَصْفُوا مَشَارِبَهُمْ ** وَفِي الْمَصَافَتِ لِلأَحْبَابِ أَسْرَارُ

يَرْوِي عَلِيلُ الصِّبَا صَحِيحَ هَوَى ** مِنَ الشَّذَا فَهُوَ نَقَّالٌ وَمِعْطَارُ

هُمُ الرِّجَالُ فَإِنْ تَسْلُكْ طَرِيقَهُمُوا ** نِلْتَ الْمُنَى لَيْسَ بَعْدَ الْعَيْنِ آثَارُ

سَلْهُمْ وَسَلْ عَنْهُمُوا مَنْ كَانَ يَعْرِفُهُمْ ** فَعِنْدَهُمْ لِمُقِيمِي الدِّينِ أَقْدَارُ

أَنْعَمْ إِذَا كُنْتَ تَهْوَاهُم بِقُرْبِهِمُوا ** وَاصْحَبْهُمُوا إِنْ نَأَتِ يَوْمًا بِكَ الدَّارُ

وَاحْلُلْ بِسَاحَتِهِمْ تَسْعَدْ بِجَيْرَتِهِمْ ** يَحْمُوا النَّزِيلَ وَلا يُؤْذَى لَهُمْ جَارُ

آخر:
اعتزلْ ذكر الغواني وَالْغَزَلْ ** وَقُلِ الْفَصْلَ وَجَانِبْ مِنْ هَزَلْ

وَدَعِ الذِّكْرَى لأَيَّامِ الصِّبَا ** فَلأَيَامِ الصِّبَا نِجْمٌ أَفَلْ

إِنّ أَهْنَا عَيْشَةٍ قَضَّيْتَهَا ** ذَهَبَتْ لَذَّاتُهَا وَالإثْمُ حَلّ

وَاتْرُكِ الْغَادَةَ لا تَحْفَلْ بِهَا ** تُمْس فِي عَزّ رَفِيع وَتُجَلّ

وَافْتَكِرْ فِي مُنْتَهَى حُسْنِ الَّذِي ** أَنْتَ تَهْوَاهُ تَجِدْ أَمْرًا جَللْ

وَافْتَكِرْ فِي مُنْتَهَى حُسْنِ الَّذِي ** أَنْتَ تَهْوَاهُ تَجِدْ أَمْرًا جَللْ

وَاهْجُرْ الْخَمْرَةَ إِنْ كُنْتَ فَتَىً ** كَيْفَ يَسْعَى فِي جُنُونٍ مِنْ عَقَلْ

وَاتَّقِ اللهَ فَتَقْوَى اللهِ مَا ** بَاشرَتْ قَلْبَ امْرِئٍ إِلا وَصَلْ

لَيْسَ مَنْ يَقْطَعُ طُرْقًا بَطَلاً ** إِنَّمَا مَنْ يَتَّقِي اللهَ بَطَلْ

صَدِّقِ الشَّرْعَ وَلا تَرَكَنْ إِلَى ** رَجُلٍ يَرْصُدُ فِي اللَّيْلِ زُحَلْ

حَارَتِ الأَفْكَارُ فِي قُدْره مَنْ ** قَدْ هَدَانَا سُبْلَنَا عَزَّ وَجَلَّ

أَيْنَ نَمْرُودُ وَكَنْعَانُ وَمَنْ ** مَلَكَ الأَرْضَ وَوَلَّى وَعَزَلْ

أَيْنَ عَادٌ أَيْنَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ ** رَفَعَ الأَهْرَامَ مَنْ يَسْمَعْ يَخَلْ

أَيْنَ مَنْ سَادُوا وَشَادُوا وَبَنُوا ** هَلَكَ الْكُلُّ فَلَمْ تُغْنِ الْقُللْ

أَيْنَ أَرْبَابُ الْحِجَى أَهْلُ النُّهَى ** أَيْنَ أَهْل الْعِلْمِ وَالْقَوْمُ الأَوَلْ

سَيُعِيدُ الله كلاً مِنْهُمُ ** وَسَيَجْزِي فَاعِلاً مَا قَدْ فَعَلْ

يَا بُنَيّ اسْمَعْ وَصَايَا جَمَعتْ ** حِكَمًا خُصّتْ بِهَا خَيْرُ الْمِلَلْ

اطْلبِ الْعِلْمَ وَلا تَكسَلْ فَمَا ** أَبْعدَ الْخَيْرَ عَلَى أَهْلِ الْكَسَلْ

وَاحْتَفِلْ لِلْفِقْه فِي الدِّينِ وَلا ** تَشْتَغِلْ عَنْهُ بِمَالٍ وَخَولْ

وَاهْجُرْ النَّوْمَ وَحَصِّلْهُ فَمَنْ ** يَعْرِفِ الْمَطْلُوبَ يَحْقِرْ مَا بَذَلْ

لا تَقُل قَدْ ذَهَبَتْ أَرْبَابُه ** كُلُّ مَنْ سَارَ عَلَى الدَّرْبِ وَصَلْ

فِي ازْدِيَادِ الْعِلْمِ إِرْغَامُ الْعِدَى ** وَجَمَالُ الْعِلْمِ إِصْلاحُ الْعَمَلْ

جَمِّلِ الْمَنْطِقَ بِالنَّحوِ فَمَن ** حُرِمَ الإِعْرَابَ بِالنُّطْقِ اخْتَبَلْ

أُنْظمِ الشِّعْرَ وَلازِمْ مَذْهَبِي ** فِي اطِّرَاح الرِّفد لا تَبْغِ النِّحَلْ

فَهُوَ عُنْوَانٌ عَلَى الْفَضْلِ وَمَا ** أَحْسَنَ الشِّعْرَ إِذَا لَمْ يُبْتَذَلْ

مَاتَ أَهْل الْجُودَ لَمْ يَبْقَ سِوَى ** مُقْرِفٌ أَوْ عَلَى الأَصْلِ اتَّكَلْ

أَنَا لا أَخْتَارُ تَقْبِيلَ يَدٍ ** قَطَعُهَا أَجْمَلُ مِنْ تِلْك الْقُبَلْ

إِنْ جَزَتْنِي عَنْ مَدِيحِي صِرْتُ فِي ** رِقِّهَا أَوْ لا فَيَكْفِينِي الْخَجَلْ

مُلْكُ كسرى عَنْهُ تُغْنِي كِسْرَةٌ ** وَعَنْ الْبَحْرِ اكْتِفَاءٌ بِالْوَشَلْ

أَعْذَبُ الأَلْفَاظِ قَوْلِي لَكَ خُذْ ** وَأَمْرِّ اللَّفْظِ نُطْقِي بِلَعَلّ

لَيْسَ مَا يَحْوِي الْفَتَى مِنْ عَزْمِه ** لا وَلا مَا فَاتَ يَوْمًا بِالْكَسَلْ

اطْرحِ الدُّنْيَا فَمِنْ عَادَاتِهَا ** تَخْفِضُ الْعَالِي وَتُعْلِي مِن سَفَلْ

عَيْشَةُ الرَّاغِبُ فِي تَحْصِيلِهَا ** عَيْشَةُ الزَّاهِدُ فِيهَا أَوْ قَلّ

كَمْ جَهُولٍ وَهُوَ مُثْرٍ مُكْثِرٌ ** وَعَلِيمٍ مَاتَ مِنْهَا بِالْعِلَلْ

كَمْ شُجَاعٍ لَمْ يَنَلْ مِنْهَا الْمُنَى ** وَجَبَانٍ نَالَ غَايَاتِ الأَمَلْ

فَاتْرُكِ الْحِيلَة فِيهَا وَاتَّئِدْ ** إِنَّمَا الْحِيلَةُ فِي تَرْكِ الْحِيَلْ

أَيُّ كَفٍّ لَمْ تَنَلْ مِمَّا تُفِدْ ** فَرَمَاهَا اللهُ مِنْهُ بِالشَّلَلْ

لا تَقُلْ أَصْلِي وَفَصْلِي أَبَدًا ** إِنَّمَا أَصْلُ الْفَتَى مَا قَدْ حَصَلْ

قَدْ يَسُودُ الْمَرْءُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ ** وَبِحُسْنِ السَّبكِ قَدْ يُنْفَى الزَّعَلْ

وَكَذَا الْوَرْدُ مِنَ الشَّوْكِ وَمَا ** يَطْلَعُ النَّرجسُ إِلا مِنْ بَصَلْ

مَعَ أَنِّي أَحْمَدُ اللهَ عَلَى ** نَسَبِي إِذْ بأَبِي بَكْرٍ اتَّصَلْ

قِيمَةُ الإِنْسَانِ مَا يُحْسِنُهُ ** أَكْثَرَ الإِنْسَانُ مِنْهُ أَوْ قَلّ

أُكْتُم الأَمْرَيْنِ فَقْرًا وَغِنَىً ** وَاكْسَبِ الْفِلْسَ وَحَاسِبْ مِنْ مَطَلْ

وَادَّرِعْ جَدًّا وَكَدًّا وَاجْتَنِبْ ** صُحْبَةَ الْحَمْقَى وَأَرْبَابَ الدُّوَلْ

بَيْنَ تَبْذِيرٍ وَبُخْلٍ رَتْبَةٌ ** وَكِلا هَذَيْنِ إِنْ زَادَ قَتَلْ

لا تخُضْ فِي حَقِّ سَادَاتٍ مَضَوْا ** إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلٍ لِلزِّلَلْ

وَتَغَافِلْ عَنْ أُمُورٍ إِنَّهُ ** لَمْ يَفُزْ بِالْحَمْدِ إِلا مَنْ غَفَلْ

لَيْسَ يَخْلُوا الْمَرْءُ مِنْ ضِدٍّ وَلَوْ ** حَاوَلَ الْعُزْلةَ فِي رَأْسِ جَبَلْ

مِلْ عَنْ النَّمَّامِ وَازْجُرْه فَمَا ** بَلَغَ الْمَكْرُوهَ إِلا مَنْ نَقَلْ

دَارِ جَارَ السُّوءِ بِالصَّبْرِ فَإِنْ ** لَمْ تَجِدْ صَبْرًا فَمَا أَحْلَى النُّقَلْ

جَانِبْ السُّلْطَانَ وَاحْذَرْ بَطْشَهُ ** لا تُعَانِدْ مَنْ إِذَا قَالَ فَعَلْ

لا تَلِي الْحُكْمَ وَإِنْ هُمْ سَأَلُوا ** رَغْبَةً فِيكَ وَخَاَلِفْ مَنْ عَذَلْ

إِنَّ نِصْفَ النَّاسِ أَعْدَاءٌ لِمَنْ ** وَلِيَ الأَحْكَامَ هَذَا إِنْ عَدَلْ

فَهُوَ كَالْمَحْبُوسِ عَنْ لَذَّاتِهِ ** وَكِلا كَفَّيْهِ فِي الْحَشْرِ تُغَلّ

إِن لِلنَّقْصِ وَالاسْتِثْقَالِ فِي ** لَفْظَةِ الْقَاضِي لَوَعظًا وَمَثْل

لا تَوَازِي لَذَّةُ الْحُكْمِ بِمَا ** ذَاقَهُ الشَّخْصُ إِذَا الشَّخْصُ انْعَزَلْ

فَالْوِلايَاتُ وَإِنْ طَابَتْ لِمَنْ ** ذَاقَهَا فَالسُّمُّ فِي ذَاكَ الْعَسَلْ

نَصَبُ الْمنْصِبِ أَوْهِى جَلَدِي ** وَعَنَائِي مِنْ مَدَارَاِة السَّفَلْ

قصِّر الآمَالَ فِي الدُّنْيَا تَفُزْ ** فَدَلِيلُ الْعَقْلِ تَقْصِيرُ الأَمَلْ

إِنَّ مَنْ يَطْلُبُهُ الْمَوْتُ عَلَى ** غِرَّةٍ مِنْهُ جَدِيرٌ بِالْوَجَلْ

غِبْ وَزُرْ غِبًّا تَزِدْ حُبًّا فَمَنْ ** أَكْثَرَ التِّرْدَادَ أَقْصَاهُ الْمَلَلْ

خُذْ بِنَصْلِ السَّيْفِ وَاتْرُكْ غِمَدَهُ ** وَاعْتَبِرْ فَضْلَ الْفَتَى دُونَ الْحُلَلْ

لا يَضُرُّ الْفَضْلَ إِقْلالٌ كَمَا ** لا يَضُرُّ الشَّمْسُ إِطْبَاقُ الطِّفَلْ

حُبَّكَ الأَوْطَان عَجْزٌ ظَاهِرٌ ** فَاغْتَرِبْ تَلْقَ عَنْ الأَهْلِ بَدَلْ

فَبِمُكثِ الْمَاءِ يَبْقَى آسِنًا ** وَسُرَى الْبَدْرِ بِهِ الْبدرُ اكْتَمَلْ

أَيُّهَا الْعَائِبُ قَوْلِي عَبَثًا ** إِنَّ طِيبَ الْوَرْدِ مُؤْذٍ لِلْعَجَلْ

عَدِّ عَنْ اسْهُمِ قَوْلِي وَاسْتَتِرْ ** لا يُصِيبَنَّكَ سَهْمٌ مَنْ ثُعَلْ

لا يَغُرَّنَكَ لِينٌ من فَتَىً ** إِنَّ لِلْحَيَّاتِ لِينًا يُعْتَزَلْ

أَنَا مِثْلُ الْمَاءِ سَهْلٌ سَائِغٌ ** وَمَتَى سُخِّنَ آذَى وَقَتَلْ

أنَا كَالْخَيْزور صَعْب كَسْرَهُ ** وَهُوَ لَدْن كَيْفَ مَا شِئْتَ انْفَتَل

غَيْرَ أَنِّي فِي زَمَانٍ مَنْ يَكُنْ ** فِيهِ ذَا مَالٍ هُوَ الْمَوْلَى الأَجَل

وَاجِبٌ عِنْدَ الْوَرَى إِكْرَامُهُ ** وَقَلِيلُ الْمَالِ فِيهُمْ يُسْتَقَل

كُلُّ أََهْلِ الْعَصْرِ غمر وَأَنَا ** مِنْهُمْ فَاتْرُكْ تَفَاصِيل الْجمل

وَصَلاةٌ وَسَلامٌ أَبَدًا ** لِلنَّبِيِّ الْمُصْطَفَى خَيْرِ الدّول

وَعَلَى الآلِ الْكِرَامِ السُّعَدَا ** وَعَلَى الأَصْحَابِ وَالْقَوْمِ الأُوَل

مَا ثَوَى الرَّكْبُ بِعشَاقٍ إِلَى ** أَيْمَن الْحَيّ وَمَا غَنَّى رَمْل